التقرير الفصلي الأول عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا (يوليو/ تموز – سبتمبر/ أيلول 2020)

باريس 30/أكتوبر/ تشرين الأول/2020

التقرير الفصلي الأول عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا 

(يوليو/ تموز – سبتمبر/ أيلول 2020)

مقدمة

خلال الفترة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول 2020، لم تشهد ليبيا تطورات إيجابية على صعيد احترام حقوق الإنسان وتعزيزها، سواء في شرق البلاد أو غربها، بل على العكس، ظلت معاناة الليبيين من انتهاكات حقوق الإنسان سمة رئيسة، فضلًا عن الحرمان من الخدمات الأساسية؛ وهذا ما أدى إلى اندلاع احتجاجات سلمية عدة في بعض المدن الليبية خلال أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول ، بالرغم من تفشي جائحة كوفيد-19. واستخدمت السلطات القوة المفرطة في قمع الاحتجاجات؛ وهذا أسفر عن مقتل اثنين من المحتجين، في حين تعرض العشرات للاحتجاز التعسفي، كما تم اختطاف نشطاء وصحفيين خلال قمع الاحتجاجات. وشهدت البلاد التي تتفشى فيها ظاهرة الإفلات من العقاب – خلال الفترة التي يرصدها التقرير – ذكرى اختطاف واغتيال لبعض المدافعين عن حقوق الإنسان دون محاسبة الجناة. وبينما لا تزال الفظائع تُرتكب بحق اللاجئين والمهاجرين، باتت أماكن الاحتجاز في ليبيا بمنزلة قنبلة موقوتة، حيث تتفشى الجائحة في بلد يعاني من انهيار القطاع الصحي ونقص الإمدادات الطبية.

وفيما تستمر حالة حقوق الإنسان في التدهور، عقد طرفا النزاع الليبي، خلال الأسابيع الماضية، اجتماعات مشتركة في بعض المدن العربية والأوروبية، وهو ما رأى فيه بعض المراقبين خطوة إيجابية تجاه تحقيق السلام والاستقرار. وفي الوقت نفسه الذي كان فيه ممثلو سلطات الأمر الواقع يتفاوضون في مصر والمغرب، كانت تلك السلطات تستمر في ممارسة ضغوطها على المدافعين عن حقوق الإنسان، ووضع مزيد من القيود التعسفية على نشاطهم السلمي وتسعى إلى عزلهم عن العالم الخارجي. هذا فيما أعلنت بعثة تقصي الحقائق، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، عن بدء عملها في ظل تحديات مختلفة.

القوة المفرطة في مواجهة الاحتجاج السلمي

شهد يوليو/ تموز الماضي تصاعد وتيرة الدعوة إلى التظاهر السلمي؛ للمطالبة بتوفير الخدمات الأساسية والاحتجاج على تفشي الفساد، وتمت الدعوة للتظاهر يوم الجمعة الموافق 23 أغسطس/ آب. ووجدت الدعوة إلى التظاهر استجابة واسعة النطاق من المواطنين الليبيين في الغرب والشرق. وقامت السلطات في بنغازي بالتحرك الاستباقي لمنع المواطنين من التجمع السلمي في ساحة الكيش، واعتقلت نشطاء بسبب دعوتهم إلى التظاهر، كما شنّت حملة تشويه ضد منظمي الاحتجاجات، سواء في وسائل الإعلام التقليدية أو مواقع التواصل الاجتماعي. وفي “سرت” تمكّن المحتجون من النزول إلى الشوارع في 23 أغسطس/ آب، ولكن قوات الأمن استخدمت القوة المفرطة؛ مما أدى إلى مقتل متظاهر وإصابة سبعة آخرين، فيما تم اعتقال العشرات. كما قطعت السلطات في سرت خدمات الاتصالات والإنترنت خلال الفترة من 25 أغسطس/ آب حتى 3 سبتمبر/ أيلول ؛ بهدف إعاقة منظمي المظاهرات عن حشد المواطنين.

وفي “طرابلس” استطاع المتظاهرون الاحتشاد في 23 أغسطس/ آب، وذلك برغم قيام السلطات بالتحريض ضد الداعين إلى الاحتجاج على مواقع التواصل الاجتماعي، ورفضها إصدار تصريحات بالتظاهر وفرضها حظرًا للتجوال. واستخدمت السلطات والمجموعات المسلحة الموالية لها القوة المفرطة لقمع المحتجين؛ فأسفر هذا عن مقتل متظاهر وإصابة آخرين، بالإضافة إلى تعرّض عدد من المتظاهرين والمنظمين للاحتجاجات للاعتقال التعسفي والإخفاء القسري. وقد عرض 21 محتجزًا على مكتب النائب العام في طرابلس، وأطلق سراح 13 منهم بعد أن وُجهت لهم تهمة التظاهر دون ترخيص، وتم حبس ثمانية أشخاص احتياطيًا لعدة أيام قبل أن يتم إطلاق سراحهم، من بينهم سبعة من المنظمين للمظاهرات بتهمة التظاهر دون ترخيص، بالإضافة إلى شخص مصري وُجهت إليه تهمة التسلل إلى ليبيا والإقامة فيها دون تصريح. ولم تتم إحالة القضية إلى المحكمة أو يصدر قرار بحفظ التحقيق فيها حتى الآن. وقد أصدر مركز مدافع لحقوق الإنسان ورقة موقف بشأن استجابة السلطات في غرب ليبيا وشرقها للاحتجاجات السلمية في أغسطس/ آب الماضي.

وفي إطار إصرار الليبيين على عدم التنازل عن الكرامة والعدالة وعن حقوقهم الأساسية؛ شهدت مدينة المرج في 12 سبتمبر/ أيلول مظاهرات سلمية؛ احتجاجًا على الظروف المعيشية السيئة وعدم توفير الخدمات وتفشي الفساد. وقد وردت أنباء عن استخدام السلطات للقوة المفرطة لقمع المظاهرات؛ الأمر الذي أسفر عن مقتل متظاهر وإصابة آخرين.

وتجددت الدعوة للتظاهر في بنغازي، وذلك تحت شعار (إنقاذ ليبيا من الفساد والمفسدين). وفي 21 سبتمبر/ أيلول، تجمع المتظاهرون للمطالبة بالقضاء على الفساد المستشري وبحماية حرية التعبير وضمان مدنية الدولة وسيادة القانون بالإضافة إلى إجراء انتخابات مبكرة. ولكن في تكنيك مستلهم من دول عربية أخرى لمواجهة التجمعات السلمية المعارضة؛ قام آخرون بالاحتشاد في مظاهرة مضادة وحملوا لافتات مؤيدة للمشير خليفة حفتر وقاموا بمضايقة المتظاهرين المعارضين ووقعت مشادات بين المجموعتين، وكان ذلك بمنزلة فرصة مواتية لقوات الأمن لتطالب المتظاهرين بإنهاء المظاهرة حرصًا على سلامتهم، وبالفعل غادر المتظاهرون المكان قبل الموعد المقرر مسبقًا لإنهاء تجمعهم. ولكن في أعقاب ذلك، اختطفت قوات الأمن أحد مُنظمي الاحتجاج، قبل أن يتم إطلاق سراحه في صباح 24 سبتمبر/ أيلول.

عزل المجتمع المدني عن العالم الخارجي

تعاني منظمات المجتمع المدني في ليبيا من قيود قانونية تعسفية تتعارض مع المعايير الدولية لحرية تكوين الجمعيات، كما يتم استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان بحملات الترهيب والكراهية والإخفاء القسري والسجن والتعذيب. وهذا يدفع البعض منهم إلى أن يلوذ بالصمت خوفًا على حياته وسلامته، فيما يغامر آخرون بمواصلة نشاطهم في الدفاع عن حقوق الإنسان في ظل بيئة محفوفة بالمخاطر ومعادية لحقوق الإنسان. وقد أصدر مركز مدافع، في مستهل العام الجاري، تقريرًا يرصد ويحلل القيود المفروضة على المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا، سواء على مستوى التشريع أو الممارسة، لكن يبدو أن بعض المسؤولين رأوا أن تلك القيود المفروضة بالفعل غير كافية لردع منظمات المجتمع المدني عن أداء دورها؛ فقرروا أن يضيفوا إليها المزيد، والهدف هذه المرة: عزل المجتمع المدني الليبي عن منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، وقطع قنوات التواصل بين المدافعين عن حقوق الإنسان داخل ليبيا وشركائهم وداعميهم في الخارج من الليبيين وغيرهم.

في خلال الأسابيع الماضية، تلقى مركز مدافع إفادات من بعض المنظمات الليبية بأن مفوضية المجتمع المدني في طرابلس، التابعة لحكومة الوفاق الوطني، قد أضافت مستندًا جديدًا إلى الأوراق الخاصة بإجراءات تسجيل الجمعيات وتجديد التراخيص، حيث يتم إجبار مؤسسي المنظمات على توقيع ورقة يتعهدون فيها بـ “عدم التعامل مع السفارات والقنصليات الأجنبية في الداخل والخارج والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية بكافة صور التعامل سواء كان ذلك بعقد الاجتماعات واللقاءات، أو توجيه الدعوة لهم، أو تلبية دعواتهم، أو توقيع أي اتفاقيات أو معاهدات أو عقود بشكل عام ]…[ إلا بعد الرجوع وطلب الإذن والموافقة من مفوضية المجتمع المدني وكذلك الجهات ذات العلاقة وفقًا للتشريعات والقوانين الليبية”.

إن الفلسفة الكامنة وراء مثل هذا الإقرار، هي التعامل مع منظمات المجتمع المدني كرهينة واعتبارها مؤسسات تابعة للحكومة، وهو ما يتناقض مع فكرة المجتمع المدني. وستؤدي تلك القيود التعسفية على التشبيك مع المنظمات الإقليمية والدولية إلى حرمان المجتمع المدني الليبي حديث النشأة من اكتساب المزيد من المهارات والخبرات التي يحتاجها لتطوير أدائه وبناء قدراته. كما سينجم عنه إضعاف جهود المناصرة الدولية التي تعتمد على الإفادات التي تقدمها المنظمات الحقوقية الليبية أمام آليات حماية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بل حتى مع بعثة تقصي الحقائق التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان مؤخرًا. ويجب على المجتمع الدولي، والحكومات التي تعترف بحكومة الوفاق الوطني، التواصل مع السلطات الليبية في طرابلس لإلغاء العمل بهذا الإقرار، وإقناعها بضرورة إجراء حوار جاد مع منظمات المجتمع المدني الليبية؛ لإزالة العراقيل الأخرى التي تعيقها عن أداء وظيفتها. وربما يكون من المناسب أن تقوم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بتيسير إجراء مثل هذا الحوار في ظل مساعيها لتعزيز حقوق الإنسان في البلاد.

الصحافة جريمة في ليبيا

تحتل ليبيا المرتبة 164 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أصدرته منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2020. وفي ظل الاحتراب الأهلي في ليبيا، يدفع الصحفيون المستقلون ثمنًا باهظًا، حيث يخاطرون بحياتهم وسلامتهم خلال تأدية عملهم. كما توجه لهم السلطات الليبية تهمًا تتعلق بالإرهاب، ويُحاكمون أمام المحاكم العسكرية مثلما حدث مؤخرًا مع مصور صحفي في بنغازي.

في أغسطس/ آب الماضي، نما إلى علم عائلة المصور الصحفي والناشط الليبي إسماعيل بوزريبة الزوي، ومحاميه، أن محكمة بنغازي العسكرية قد أصدرت في مايو/ أيار 2020 حكمًا بسجنه لمدة 15 عامًا. وكان الزوي قد أُلقي القبض عليه في ديسمبر/ كانون الأول 2018 في مدينة أجدابيا قبل أن يتم احتجازه تعسفيًا في سجن عسكري في بنغازي. وذلك بعد تفتيش هاتفه المحمول والعثور فيه على رسائل نصية وتدوينات تتضمن انتقادات للقيادة العامة للجيش الليبي في الشرق وعملية الكرامة العسكرية؛ واتهمت السلطات الزوي بدعم الإرهاب والتواصل مع قنوات فضائية تتهمها سلطات القيادة العامة في شرق ليبيا بدعم الإرهاب. وخلال فترة احتجازه، لم يتمكّن الزوي من الاتصال بذويه أو مقابلة محاميه، وكذلك لم يتم إخطار محاميه بموعد جلسة الحكم، على نحو يثير الشكوك بشأن مدى التزام الإجراءات بالقانون وبالمعايير الدولية للمحاكمة العدالة.

ويُعد تفتيش الهواتف وأجهزة الكمبيوتر النقالة والأجهزة اللوحية الموجودة بحوزة المواطنين، ظاهرة متفشية في ليبيا منذ نحو ثماني سنوات، حيث تمارس السلطات المختلفة في الشرق والغرب انتهاكًا منهجيًا للحق في الخصوصية. وقبل عدة شهور أعلنت 28 منظمة حقوقية ليبية، من بينها مركز مدافع، عن رصد 21 حالة تعرضت لمثل هذا الانتهاك، ما بين عامي 2019 و2020. وتضم قائمة ضحايا تلك الممارسة مدافعين عن حقوق الإنسان وإعلاميين ومدونين ومهاجرين، وذلك في مدن مختلفة. وتستهدف تلك الممارسة ترهيب المواطنين؛ حتى يحجموا عن التعبير عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى الانخراط في مناقشات مع آخرين حول الأوضاع الحقوقية والسياسية. وفي حالة اكتشاف السلطات لمحتوى إلكتروني معارض لسياساتها؛ يكون الثمن باهظًا كما حدث في حالة الزوي المذكورة أعلاه.

علاوة على ذلك، قامت المجموعات المسلحة، الداعمة للسلطات في طرابلس، خلال مشاركتها في قمع الاحتجاجات الشعبية في 23 أغسطس/ آب؛ باختطاف أحد الصحفيين خلال تغطيته للمظاهرات، قبل أن يظهر الصحفي في مكتب النائب العام الذي وجه إليه تهمة التظاهر دون ترخيص، وفي 2 سبتمبر/ أيلول تم إطلاق سراحه مع 12 آخرين. كما وثّق مركز مدافع شهادة صحفي آخر تعرض للاختطاف والتعذيب من قِبَل إحدى المجموعات المسلحة في ليبيا، ويحتفظ المركز بالأسماء والمعلومات الخاصة بتلك الواقعة، وذلك بناء على طلب الصحفي الذي يخشى التعرض للانتقام.

وفي ظل القمع المنهجي لحرية الرأي والتعبير في ليبيا، يتم استهداف المدونين وأصحاب الآراء السياسية المعارضة، حيث يتعرضون للاختطاف والإخفاء القسري، أو اتهامهم بدعم الإرهاب. فعلى سبيل المثال، قام جهاز الأمن الداخلي في بنغازي باعتقال مدون في 12 سبتمبر/ أيلول 2020، حيث تم التحقيق معه في تهم تتعلق بالتحريض على التظاهر. ولا يقتصر القمع على الصحفيين والمدونين الذين ينشرون محتوى سياسيًا معارضًا للسلطات، بل يمتد نطاقه إلى الفنانين الذين يتناولون في أعمالهم الأوضاع السياسية بشكل لا يروق للسلطات وللمجموعات المسلحة الموالية لها. ففي 18 يوليو/ تموز 2020 اختطف مغني راب من أمام منزله في طرابلس؛ وذلك بعد أسابيع من إصداره أغنية ينتقد فيها المجموعات المسلحة، ولم تعلن أي جهة مسئوليتها عن اختطافه. وقد تمكنت مصادر مركز مدافع في طرابلس من معرفة أن كتيبة النواصي هي المسئولة عن عملية اختطاف المغني الشاب، الذي تم حرمانه من حق الاستعانة بمحام أو تلقي زيارات من عائلته.

أماكن الاحتجاز عرضة لتفشي جائحة كوفيد-19

تعاني السجون الليبية من أوضاع مزرية، حيث تكتظ الزنازين بالمحتجزين في ظل عدم توافر الحد الأدنى اللازم من الرعاية الصحية والتغذية السليمة والمياه النظيفة ومواد التنظيف، كما لا يتم توفير التهوية المطلوبة للحفاظ على صحة النزلاء وتقليل فرص انتشار العدوى. وتنذر تلك الأوضاع بمزيد من تدهور أوضاع المحتجزين في ليبيا في ظل تفشي جائحة كوفيد-19 في البلاد. ووفقًا للأرقام التي أعلنها ائتلاف منصة ليبيا في يونيو/ حزيران الماضي، تضم السجون الليبية أكثر من 8000 سجين من جنسيات مختلفة، كما يخضع نحو 3000 مهاجر ولاجئ للاحتجاز، وجميعهم يتعرضون لصنوف شتى من المعاملة السيئة والتعذيب، ويتم تكديسهم في الزنازين التي تُمثّل بيئة ملائمة لانتشار الأمراض المعدية.

في بداية الأزمة، اتخذت السلطات قرارًا إيجابيًا، بناء على توصيات المجلس الأعلى للقضاء، بالإفراج عن بعض السجناء في السجون التابعة لوزارة العدل. حيث تم إطلاق سراح 350 سجينًا في المنطقة الشرقية، و1300 سجين في المنطقة الغربية، لكن لم يتم اعتماد سياسة تخفيض عدد السجناء، من خلال تنفيذ خطط الإفراج المبكر أو المشروط أو المؤقت عن مجرمين لا يشكّلون خطرًا حقيقيًا، والنظر في وضع المحبوسين احتياطيًا، وإعادة النظر في احتجاز المهاجرين والحدّ من احتجازهم، وإغلاق مخيمات اللاجئين. وهي كلها توصيات صادرة عن لجنة الأمم المتحدة الفرعية لمنع التعذيب بشأن الإجراءات التي يجب أن تتخّذها الحكومات وهيئات المراقبة المستقلة لحماية الأشخاص المحرومين من حريتهم في ظلّ تفشي الجائحة.

وفقًا لإحصائيات صادرة عن الأمم المتحدة في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول، بلغ عدد الإصابات بكوفيد-19 في ليبيا نحو 45 ألف إصابة بالإضافة إلى 656 حالة وفاة، وهو ما يثير القلق بشأن أوضاع المحتجزين، لاسيما في ظل تدهور النظام الصحي في السجون. وفي هذا الإطار يدعو مركز مدافع السلطات الليبية إلى تحمّل مسئوليتها إزاء الحفاظ على حياة وصحة المحرومين من حريتهم والمودعين في أماكن الاحتجاز.

خطف واغتيال النشطاء دون محاسبة

منذ سنوات تعاني ليبيا من ظاهرة اختطاف النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين، وحتى الآن لم يتم الكشف عن مصير غالبية المختفين. كما تعرض العديد من النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والقضاة والصحفيين للاغتيال، دون القبض على الجناة، أو إجراء تحقيقات جادة في حوادث الخطف والاغتيال السياسي. إذ لم تتوافر الإرادة السياسية لمحاسبة الجناة، وأضحت ليبيا بمنزلة واحة للإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

ونشير في هذا الإطار إلى أنه خلال الفترة التي يرصدها التقرير، شهدت ليبيا مرور ذكرى اختطاف واغتيال بعض النشطاء الليبيين. ‏فعلى سبيل المثال، شهد 17 يوليو/ تموز مرور الذكرى السادسة لاغتيال العضوة السابقة للمؤتمر الوطني العام فريحة البركاوي إثر تعرضها لإطلاق الرصاص في درنة في 2014. وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع من اغتيال الناشطة الحقوقية والسياسية سلوى بوقعيقيص في 26 يونيو/ حزيران 2014. أيضًا شهد 17 يوليو/ تموز مرور عام كامل على اختطاف سهام سرقيوة، عضو مجلس النواب، من منزلها في بنغازي في 2019. وفي 26 يوليو/ تموز، مرت الذكرى السابعة لاغتيال المحامي والناشط الحقوقي عبد السلام المسماري الذي تعرض لإطلاق الرصاص في بنغازي في 2013. وفي 20 سبتمبر/ أيلول، مرت الذكرى السادسة لاغتيال الناشطين الحقوقيين توفيق بن سعود وسامي الكوافي، إثر إطلاق الرصاص عليهما في بنغازي في 2014.

المهاجرون واللاجئون يواجهون الأهوال

تتعامل السلطات الليبية بقدر كبير من الحساسية والعدائية مع اللاجئين، وتعتبر وجودهم بمنزلة تهديد للأمن القومي؛ بزعم أن تدفق اللاجئين سيؤدي إلى تغيير ديموغرافي في البلاد. وحتى الآن، ترفض ليبيا الانضمام لاتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين. كما تنظر السلطات الليبية إلى الهجرة غير النظامية باعتبارها “جريمة” تستوجب العقاب، وفي إطار “مكافحتها” ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد المهاجرين. وخلال سعي المهاجرين واللاجئين إلى الفرار من الاضطهاد ومن أوضاع اقتصادية هشة وظروف معيشية قاسية وانعدام الأمن واندلاع الحروب الأهلية في بلدانهم، يتعرضون في ليبيا لصنوف شتى من الاعتداءات والانتهاكات الجسيمة، مثل الخطف بغرض طلب فدية، أو للبيع، أو للقتل خارج نطاق القانون، أو للاحتجاز التعسفي.

ولا تكتفي السلطات الليبية بكل ما سبق، بل تواصل ملاحقة المهاجرين في المياه الدولية في البحر المتوسط، لاعتراضهم وإعادتهم قسرًا إلى ليبيا، وفقًا لاتفاقيات ثنائية وقعتها مع إيطاليا، بين عامي 2007 و2009. ويتم إخضاع المهاجرين المعادين قسرا، للاحتجاز التعسفي في ظل ظروف احتجاز غير إنسانية، يتعرضون خلالها للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، بما في ذلك الاغتصاب والعنف الجنسي. وفي يونيو/ حزيران 2020، أشار تقرير للأمين العام للأمم المتحدة إلى تعرض فتيات لاجئات ومهاجرات للاغتصاب والعنف الجنسي والإكراه على الدعارة من جانب شبكات بعضها يرتبط بالجماعات المسلحة. وفي 29 يوليو/ تموز 2020 أكدت مفوضية اللاجئين ومركز الهجرة المختلطة في مجلس اللاجئين الدنماركي في تقرير مشترك أن “ليبيا ليست مكانًا آمنًا لإعادة الأشخاص إليها”. وكانت منظمة الهجرة الدولية قد أكدت في نهاية يوليو/ تموز مقتل اثنين من المهاجرين وإصابة آخرين في ليبيا، وذلك في أعقاب محاولتهم الفرار بعد أن قام خفر السواحل باعتراضهم في البحر وإعادتهم قسرًا.

علاوة على ذلك، أدت القيود المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19، إلى حرمان كثير من المهاجرين من فرص العمل التي تساعدهم على توفير الغذاء لأسرهم وأطفالهم، هذا فضلا عن عدم توفير الإمدادات الطبية بشكل كاف، ليتخذ المهاجرون إجراءاتهم الاحترازية ضد تفشي الفيروس. هذا فضلا عن تزايد فرص انتشار الإصابة داخل مراكز احتجاز المهاجرين. وهو ما يتطلب من السلطات الليبية المراجعة الفورية لسياساتها وممارساتها إزاء المهاجرين واللاجئين، على ضوء تقارير المنظمات الحقوقية المعنية. بالإضافة إلى ضرورة توافر الإرادة السياسية لمحاسبة الأفراد والجماعات المسئولين عن انتهاكات حقوق المهاجرين واللاجئين.

هل لحقوق الإنسان مكان على طاولة المفاوضات؟

في ظل تدهور الوضع الإنساني والأمني والاقتصادي، فضلا عن تفشي جائحة كوفيد-19 في البلد الذي يعاني من انهيار خدمات المرافق الصحية؛ صدر في 20 أغسطس/ آب بيان عن رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، أعلن فيه عن وقف إطلاق النار في كافة الأراضي الليبية. وفي اليوم نفسه ، أصدر رئيس مجلس النواب  بيانًا دعا فيه إلى وقف الأعمال القتالية. واتسم موقف قيادة القوات المسلحة العربية الليبية من إعلان وقف إطلاق النار بالغموض، قبل أن يصدر عن المتحدث باسم المشير خليفة حفتر تصريحات شكك فيها في المبادرة، معتبرًا إياها “تسويقًا إعلاميًا”.

في سبتمبر/ أيلول، جرت مباحثات ليبية في مدينة بوزنيقة بالمملكة المغربية لبحث معايير تولّي المناصب السيادية، كما جرت في مدينة الغردقة في مصر مباحثات أمنية وعسكرية في إطار المحادثات المستمرة للجنة العسكرية المشتركة 5 + 5. وخلص اجتماع الغردقة إلى التوصيات التالية: الإفراج الفوري عن كل المحتجزين على الهوية من دون أي شروط أو قيود، واتخاذ التدابير العاجلة لتبادل المحتجزين بسبب العمليات العسكرية؛ إيقاف حملات التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية واستبداله بخطاب التسامح والتصالح ونبذ العنف والإرهاب؛ بالإضافة إلى فتح خطوط المواصلات الجوية والبرية بما يضمن حرية التنقل للمواطنين بين كافة المدن الليبية. علاوة على ذلك، شهدت مونترو في سويسرا مباحثات ليبية حول ترتيبات إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ونقل السلطة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت ستيفاني وليامز، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالإنابة، استئناف المحادثات الليبية – الليبية الشاملة، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2510 لسنة 2020 الذي تبنى نتائج مؤتمر برلين بشأن ليبيا والذي انعقد في 19 يناير/ كانون الثاني 2020. واستضافت جنيف أول محادثات مباشرة وجهًا لوجه بين الوفدين الليبيين في اللجنة العسكرية المشتركة 5 + 5، حيث تم الاتفاق على تفعيل توصيات اجتماع الغردقة المذكورة أعلاه.

وكان مركز مدافع، في تعليقه على كيفية استجابة السلطات للاحتجاجات الشعبية، قد أكد أن أزمة الشرعية التي باتت تعاني منها كافة السلطات في الشرق والغرب، لا حل لها سوى الوقف الفوري لإطلاق النار وبدء مفاوضات تشرف عليها الأمم المتحدة مع فرض جدول زمني محدد لإجراء الانتخابات والعمل على إصدار دستور دائم للبلاد. وفي نهاية سبتمبر/ أيلول، قدّم المركز، مع منظمات ائتلاف منصة ليبيا، نسخة محدّثة من خارطة الطريق الخاصة بتعزيز حقوق الإنسان واستعادة حكم القانون. واقترحت الخارطة بعض الخطوات الضرورية لدفع البلاد للخروج من الأزمة بشكل مستدام، بما يتضمن إجراء الاستفتاء الدستوري والانتخابات، وإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان واستعادة سيادة القانون، وإنهاء القيود المفروضة على حرية عمل منظمات المجتمع المدني المستقلة.

ويرى مركز مدافع أن على السلطات الليبية أخذ مطالب المنظمات الحقوقية على محمل الجد، وأن يكون احترام حقوق الإنسان وتعزيزها ركنًا أساسيًا في المحادثات الجارية، كما يؤكد أهمية دور الأطراف الإقليمية والدولية، الداعمة لأطراف النزاع الليبي، في اتخاذ التدابير اللازمة لدعم مباحثات السلام وتشجيع سلطات الأمر الواقع على إنهاء النزاع، بالإضافة إلى الوقف الفوري لشحنات السلاح المتدفقة إلى ليبيا. وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول عن رصدها لعشرات رحلات الإمداد للمطارات في شرق وغرب ليبيا، ويمثّل ذلك انتهاكًا صارخًا للحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد الأسلحة، فضلا عن الالتزامات التي تعهد بها المشاركون في مؤتمر برلين. وفي هذا الإطار، يرى المركز ضرورة إدماج المنظمات الحقوقية الليبية شريكًا في التحضير للمباحثات التي سترسم مستقبل ليبيا.

بعثة تقصي الحقائق تبدأ عملها وسط تحديات

في 19 أغسطس/ آب، قامت المفوضة السامية لحقوق الإنسان بتعيين ثلاثة محققين مستقلين ليشكلوا بعثة تقصي الحقائق، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في الثاني والعشرين من يونيو/ حزيران الماضي. وتسعى البعثة إلى التحقيق في انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، التي ارتكبتها جميع أطراف النزاع في ليبيا منذ بداية عام 2016.

وفي كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان خلال الدورة الخامسة والأربعين، قال محمد أوجار رئيس البعثة إن هناك تحديات تواجه عمل البعثة، وفي مقدمتها التأخر في إنشاء الأمانة العامة لدعم بعثة تقصي الحقائق في تنفيذ مهامها، بالإضافة إلى تأثير القيود التي تفرضها جائحة كوفيد-19 على السفر إلى ليبيا والبلدان المجاورة للاجتماع مباشرة مع الضحايا والشهود. وطالب أوجار بتمديد ولاية البعثة، التي ستنتهي في مارس/ آذار 2021، بالإضافة إلى توفير الموارد المالية اللازمة. ويرى مركز مدافع أنه ينبغي أن تتم الاستجابة الفورية لمطالب البعثة بتوفير الدعم المادي والتقني وتمديد ولايتها؛ وذلك حتى تتاح لها الفرصة لأداء مهمتها.

جدير بالذكر في هذا السياق، أنه في 23 يونيو/ حزيران تم الإعلان عن بدء عمل الفريق العامل المعني بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، التابع للجنة المتابعة الدولية لشأن ليبيا. وإذ يدعو مركز مدافع إلى التنسيق بين الفريق والبعثة، فإنه يحث بعثة تقصي الحقائق على الاستجابة لتوصيات المركز وائتلاف منصة ليبيا التي تم تقديمها للبعثة. وتشمل التوصيات ضرورة المشاورات المنتظمة مع منظمات المجتمع المدني الليبية بشأن الانتهاكات التي تتطلب التحقيق من قِبل البعثة؛ والتحقيق في تجنيد المقاتلين الأجانب ونقلهم وفحص المسؤولية القانونية لهؤلاء المقاتلين عن انتهاكات القانون الإنساني وقانون حقوق الإنسان؛ ووضع بروتوكولات بشأن السرية وحماية المصادر لضمان سلامة الأفراد الليبيين الراغبين في التعاون مع البعثة؛ والتنسيق مع مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والدول الأعضاء في الأمم المتحدة القادرة على التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من خلال الولاية القضائية العالمية. علاوة على ذلك، تم تقديم قائمة بالانتهاكات التي تحتاج لمنحها الأولوية في تحقيقات البعثة.

خاتمة

في الوقت الذي تتفشى فيه جائحة كوفيد-19 في أرجاء ليبيا، كانت شهور الصيف الماضي حافلة بصنوف شتى من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك انتهاك الحق في التجمع السلمي والحق في تكوين الجمعيات وحرية التعبير والتنقل والحق في المحاكمة العادلة والحق في الصحة وفي سلامة الجسد والحق في الحياة. وفيما شهدت ليبيا مظاهرات شعبية سلمية في الغرب والشرق احتجاجًا على نقص الخدمات الأساسية واستشراء الفساد؛ فإن السلطات والمجموعات المسلحة لم تتدخر جهدًا لقمع المتظاهرين، لتتفاقم أوضاع حقوق الإنسان وتزداد أعداد الضحايا في بلد يسود فيه الإفلات من العقاب. ولكن ربما تشير العودة إلى طاولة المفاوضات، إلى إدراك أطراف النزاع إلى استحالة استمرار القتال بلا نهاية، وأن مستقبل ليبيا واستقرارها يتطلبان العمل المشترك والتوافق بين الفرقاء. وإذ يرى مركز مدافع أن تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها هما الضمانة الأولى لتحقيق السلام والعدالة في ليبيا، فإنه يشدد على ضرورة تعاون كافة الأطراف مع بعثة تقصي الحقائق من أجل إنجاز مهمتها في كشف الحقيقة، ليكون ذلك الخطوة الأولى لمعالجة الإخفاق في ملف المحاسبة الدولية على انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا وتعويض الضحايا وإنصافهم.

مركز مدافع لحقوق الانسان

باريس 30/أكتوبر/ تشرين الأول/2020

1 عدد الردود

Trackbacks & Pingbacks

  1. […] والموافقة من مفوضية المجتمع المدني. وهو ما حذرت منه منظمات حقوقية ليبية واعتبرته بمثابة تأميم للعمل الأهلي وعزل للمجتمع […]

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *